ذات يوم من الأيام ، تداعى من الآفاق جمع من الغمام ، فبكت السماء
بدمعها ، واهتزت الأرض لفرحها بمرعها ، فضحكت بزهرها وشجرها ، وسالت أودية بقدرها
، وطفق كل كائن يغرفها ، وأخذت الأرض زخرفها ، وبسطت مروجها الفيحاء ، وخلعت
جلبابها الغبراء ، ولبست حلة خضراء .
نضرت الأزهار مختلفة الألوان ، وقطرات الماء فوقها كالجمان ، ومرت
النسائم فوق البساتين ، وفاح عطر الرياحين ، وكانت كما وصفها صفي الدين :
والأرض تعجب
كيف نضحك والحيا
يـبـكـي
بــدمـع دائـــم الـهـملان
حـتى إذا
افـترتْ مـباسمُ زهـرِها
وبَـكـى
الـسّـحابُ بـمَـدمَعٍ هَـتّانِ
ظــلـتْ
حـدائـقـهُ تـعـاتـبُ جـونـهُ
فــأجـابَ
مـعـتـذراً بـغـيـرِ لــسـانِ
طـفـحَ
الـسـرورُ عـليّ حـتى إنـهُ
مِـن عِـظمِ
مـا قَد سَرّني أبكاني
أشرقت الشمس بنور ربها ، ونورت الأرض بكل حدبها وصوبها ، وهبت النسائم
من بحارها وأنهارها ، وترنمت العصافير فوق أشجارها ، وتنقلت بين أغصانها وأزهارها
، واغتدت الطيور من وكناتها ، تسبح الله في حركاتها وسكناتها ، وتشهد أنه خلق كل
شيء بقدر، فيا روعة هذا المنظر!! ، لله در القائل :
سل الواحة
الخضراء والماء جارياً
وهذي الصحارى
والجبال الرواسياً
سل الروض
مزداناً سل الزهر والندى
سل الليل
والإصباح والطير شادياً
وسل هذه
الأنسام والأرض والسما
وسل كلَّ شيءٍ
تسمع الحمد سارياً
ولو جنَّ هذا
الليل وامتد سرمدا
فمن غير ربي
يرجع الصبح ثانيا؟!
في هذا اليوم ،
بعدما اصبح الخلق من النوم ، حمد الكل لخالقه ، وأقر النعمة لرازقه ، إلا من
كفربها وجحد ، وزعم أنها من غير الصمد ، واختار الإلحاد من دين ، والطبيعة من إله
العالمين ، فأصبح أعمى غير بصير، (ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير )؟!.
"لله في
خلقه شؤون" ، يخلق ما يشاء ويصون ، تدب نملة في سفرها ، وتسري قاصدة إلى
جحرها ، على ظهر صفاة صماء ، في ليلة ظلماء ، تراكمت فيه الغيوم ، حتى كفرت النجوم
، تسبح لمن عنت الوجوه لجلالته ، وخضع
الكون لعظمته ، سبحان الذي يراها ويسمعها،
ويعلم مستقرها ومستودعها ، وألهمها بمنجاها ومهلكها من عداتها ، وقدر لها أقواتها
مدى حياتها ، وجعل ذالك في كتاب مبين ، لتكون آية للعالمين .
سـبحان مـن رفع
السماء بسمكها
والأرض مـد بهـا
الـجـبال ومـهـدا
سـبـحـانـه
بــجـلالـه خــضـت لــه
كــــل
الأنــــام وحــــق أن يـتـفـردا
ســبـحـانـه لا
يــنـبـغـي لـجــلالـه
مــا أشـركـوا
مــن دونــه أن يـعبدا
وتــفـكـروا
بـالـخـلـق مـن آيــاتــه
سيرى البصير من
العجائب مشهدا
فـالشمس فـي
كـبد السماء جلية
وشـعـاعها
يـخـفي الـنـجوم مـوقدا
يـتـعـاقـب
الــبـدر الـمـنـيـر مــلألأ
ويـزيـنـه نــور
الـكـواكـب مـا بـــدا
تـزجـي الـرياح
سـحائبا مـن لـطفه
فـيـكـون وَدْقـا
ثـــم رزقـــا مـوردا
والـنـون فـي
عـمق الـبحار مـسبح
وبــحـمـده
الــرعــد الـمـزمـجر رددا
ذالك الفضاء ، وما دون السماء ، فيه النجوم الجارية ، والكواكب السارية
، والشهب اللامعة ، والمجرّات الساطعة ، كل في فلك يسبحون ، وبأمر الله يكون ، في
الحركة والسكون ، فالشمس تلقي شعاعها في أرجاء الفضاء ، والبدر يلبس هالته ويبرز
بالسناء ، وعلى كوكبنا الزرقاء ، يتقلب عليه الليل والنهار ، وتنشأ حوله الأمطار ،
وتزخر فيه البحار ، وتتدفق من بين أحجاره الأنهار ، هذا خلق الله ، لا يدبر أمره سواه !!.
بقلم : مختار الحدري