بين العقل والجنون نقطة فاصلة يقال لها
"العبقرية" لا يصلها إلا قليل من الناس ، ولهذا نقل عن جبران خيل جبران قوله"بين الجنون والعبقرية خيط أرفع
من نسيج العنكبوت" ، ولا بد شيء من الجنون لاقتحام الصعاب ، في طريق العبقرية
، كما قال البعض .
الطريق إلى العبقرية يمر بمحاذاة حدود الجنون
، غير أن الجنون فنون ، لكن متابعة آثار أهلها ربما تقودك إليها ،و"المتابعة:
أن يُفْعَل مثل ما فُعِل، على الوجه الذي فُعِل، لأجل أنه فُعِل" قالها بن تيمية
.
فما الذي ميز العباقرة من البشر؟
انطلاقا من هنا ، عكفت على قراءة صفحات من سير العباقرة ، برهة من الزمن ، وقرأت منهم
أشياء ربما أغرب من الخيال في سيرة أفراد قبيلة العباقرة ، ذات العقول المدهشة.
أكدّ كثير من العباقرة بأن العبقرية لا تكون
بالفطرة والموهبة إلا بنسبة ضئيلة جدا ،بل تكون بالعمل والإجتهاد ، وتشغيل المخ في
مواجهة المشكلات التي تواجهنا في حياتنا اليومية ، ولهذا يقول أديسون حين سُئل عن العبقرية:
"إنها 1% إلهام و 99% عرق جبين". ، وهذا ما يجعل قبيلة العباقرة مفتوحة للجميع
وليست محتكرة لصنف معين من الناس من سلالة بشرية خاصة ، بل الناس سواسية خلق من
طين واحد !.
أن تكون نابغة في مجال ما بصورة مميزة
أو بأخرى ، لا تسمى عبقرية ، ويمكن أن تكون هذه مواهب يمنحها الخالق بعض من الناس
، بل أستطيع أن أقول بعبارات أخرى : إن العبقرية إبداع وابتكار وشيء من التميز مما
أنجب به العقل بعد تمخضه ؛ فالعقل كما باقي الأعضاء يمكن تمرينه وتدريبه ، حتى
تمكنت له من التحرر عن العجز والضعف ، وعدم القدرة النفسيه ، وإكتشاف القدرات
الذاتية التي تميز عن الغير من العقلاء ، فإنه ليس كل عاقل عبقري!.
أقصر طريق إلى العبقرية أن تبحث حلّا
جديدا تبتكره لمواجهة المشاكل التي تواجهك ، معتمدا من التجارب التي سبقت لك في
حياتك ، من خلال التفكير والتحليل والتركيز والتجربة ، مع علمك أن من الفشل يبدأ
النجاح !!.
ويمكن لي أن أقول : إن العبقرية رحلة
تبدأ من التفكر وتنتهي بالإبداع ، فليس من أجاد عملا مبدعا ، إنما هو الذي خلق
جديدا لم يسبقه أحد قبله ، لأن الإبداع من أعلى درجات العبقرية ، وصاحبه يستحق أن
يسمى عبقريا من غير مبالغة في وصفه .
لكن " لكل جواد كبوة " ، كبوة
قلتها : هي السرّ التي وراء جلد العباقرة بسياط تهمة الجنون ، أوالتعمق في التفكر ربما
تؤدي غفلة في أشياء بسيطة ، يستغرب الكثير من الناس نسيانها ، وقصة "توماس إديسون" خير شاهد على ذالك.
" في أحد الأيام ذهب (توماس إديسون) مخترِع
المصباح الكهربائي ليدفع الضرائب، وعندما جاء دوره، سأله جابي الضرائب عن اسمه، ولكن
توماس لم يستطع تذكُّر اسمه؛ لأنه كان يفكِّر بعمق بأحد اختراعاته، وظل يحاول تذكُّر
اسمه؛ لكنه عجَز كليًّا عن ذلك، فلولا وجود رجل يعرِفه وذكَّره باسمه، لعاد توماس إلى
بيته ليسأل عن اسمه، ولم يَعتبِر ذلك نقصًا في عقله، ولا خرقًا في ذاكرته".
هذه القصة ونحوها تتدرج في قائمة كبوات
العباقرة ، وليسوا مجانين ، ولكن ليس هذا المجال يسمحنا في سرد هذه القصص الظريفة ،
لكن محل الشاهد أن هذه ونحوها - في وجهة نظري – هي التي تجذب التهم على العباقرة ،
حيث أن الكمالية ليست من صفات البشر!.
وأخيرا ، المشي على الرصيف بين العقول العاجزة
، وعقول المختلة ، والثبات عليها دون المحايلة إلى الجانبين ، هو طريقك إلى
العبقرية ، فسر عليه حتى تكون عبقريا !.
بقلم : مختار الحدري