"حوالي 12,200,000 من النتائج (عدد الثواني:
0.44)" ، هكذا عرض لي محرك البحث جوجل في رأس صفحته الأولى عقب ما كتبت كلمة البحث
، وهكذا يعمل الحاسب الآلي الذي هو من صنع البشر ، فيجمع تلك الكميه الهائلة من
المعلومات ، ومن آفاق الدنيا في مدة أقل من نصف ثانية .
نعم ، أقل من نصف ثانية لا غير ، فالذي
أود أن أقوله الآن أن للثانية لها تعريف
في اليابان .. ولها تعريف آخر يختلف عنه في أفريقيا ... وما بين هذين التعريفين
بعد كبعد المشرقين ، ويتفق الجانبان أن الثانية ماضية ، وغير قابلة للإحتياط ... ماضية
في آثار الحياة ثانية بعد ثانية ، وهكذا تنتهي الأجل المسمّى .
عندما نخوض في عالم التقنية تتم العمليات في أقل من لمح البصر ، فهنا نعرف
أن الثانية لها معنى آخر غير الذي نعرفه ، حيث يعتقد الكثير بأنه جزء لا يتجزء من
الزمن ، ولا يمكن إنجاز أي مهمة في غضون أجزاء منه ، والحديث عنه أرقام يعتبرونه خيالية تافهة .
حقا! "فالإنسان ابن بيئته" ، عندما
ترعرعت في بيئة يقاس السرعة اللحظية الفائقة فيها بكلمة (شَنْ دَقِيْقَو)
الصوماليه التي طالما سمعتها في صغري ، متسائلا نفسي عن وجود ما هي أقل منها ،
والتي معناها خمس دقائق ، ربما تستغرب في قصة الثانية وتقسيمها إلى أجزاء ، فتراها
من مبالغات الأحاديث .
لم تحتل الصومال بالصدارة في قائمة
الدول "النائمة" والتي يسمونها النامية
لو كانت تستغل الدقائق الخمسة كما استفاد منها الألماني صاحب كتاب المشهور
(خمس دقائق قبل الطعام) ، الذي فكر في حفظ تلك الدقائق التي ينتظر فيها زوجته على المائدة
، أثناء تحضير الطعام ، وكان يكتب خواطره الفكرية خلال هذه الدقائق ، وأصبحت تلك
الخواطر هذا الكتاب الشهير .
وأما في كوكب إسمه اليابان ، مع أن الموارد
الطبيعية فيه نادرة ، وتنخفض المساحة الجغرافية الصالحة للزراعة ، فضلا عن ذالك
كله تنتشر فيه الظواهر الطبيعية المدمرة ، مثل الزلازل والبراكين ، لكن الحياة فيه
عبارة عن أرقام حسابية فائقة الدقة ، سريعة الحركة ، مما جعل للوقت قيمة كبيرة ، وأسعارا
مرتفعة فوق الخيال ، فعندما سئل امبراطورهم سرّ نهضتهم الحضارية ، قال : "بدأنا من حيث انتهي الآخرون ، واستفدنا
من أخطائهم" .
هناك الوقت يقاس بأقل من الثانية ،
فمثلا : أحد المحلات التجارية في عاصمة طوكيو تبدأ عملها في الساعة العاشرة تماما
، وتفتح الأبواب قبل ذالك بدقائق دون أن يسمح للزبائن بالدخول في المحلة ،
واحتراما للوقت يظل العمال والزبائن واقفين خلال الدقائق وحتى الثواني الباقية قبل
أن تدق عقارب الساعة على العاشرة ، فعندها تبدأ العمل تماما .
المعرفة والعلم ... تأتي قبل العمل ، لكن ... من
المؤسف أننا لم نعد نعرف قيمة الوقت كما عرفه المفكرون ، ولم نعرف طاقاتنا المهدرة
خلال ساعات تمضي خالية ، ولا ندري أنها رأس مالنا ، وأغلى شيء نمتلكه في هذه
الحياة ، لذالك وقفنا منبهرين أمام انجازات وحضارات شيدها بشر مثلنا ، حتى ظن
أهلنا أن الوصول إلى مكانهم في ظل هذه الحضارات المادية أمر محال أو أضغاث أحلام .
"إذا كان الشغل مجهدة، فإن الفراغ
مفسدة " ... هنا نقطة الإنطلاق للأيادي العاملة ، فلابد أن تترك الثواني
الماضية وراءها أثرا وإنجازا ، مادام الروح مصاحبا بالجسد ، وينبض القلب ، وتقول دقاته" إن الحياة دقائق وثوان"!!.
بقلم : مختار الحدري